في مشهد درامي يتطور بوتيرة متسارعة، تستعد المنصات الرقمية العربية خلال الفترة المقبلة لإطلاق إحدى عشرة دراما جديدة، وذلك ضمن ما يعرف بموسم "الأوف سيزون". ويُقصد بهذا المصطلح الأعمال التي تُعرض خارج السباق الرمضاني، في خطوة تعكس تحوّلًا مهمًا في صناعة الدراما العربية نحو إنتاج متواصل على مدار العام، بدلًا من حصره في موسم واحد.

من رمضان إلى "الأوف سيزون"
لطالما ارتبطت الدراما العربية بالموسم الرمضاني الذي اعتُبر لعقود نافذة العرض الأساسية، حيث تتنافس فيه عشرات الأعمال في وقت واحد. غير أن هذا النموذج بدأ يتغير في السنوات الأخيرة مع صعود منصات البث الرقمية، إذ بات الجمهور يبحث عن محتوى متاح في أي وقت، بعيدًا عن الالتزام بجداول البث التقليدية. ومن هنا، ظهر مفهوم "الأوف سيزون"، ليتيح للأعمال مساحة أوسع للتألق بعيدًا عن ازدحام رمضان.

تنوع غير مسبوق في الموضوعات
المسلسلات الجديدة التي ستُعرض هذا الموسم تعكس تنوعًا ملحوظًا في الأشكال الدرامية. فهناك أعمال كوميدية خفيفة تستهدف المشاهد الباحث عن الترفيه، وأخرى في إطار الرعب والإثارة تلبي شغف جمهور يحب التشويق، إضافة إلى دراما اجتماعية تعكس قضايا واقعية من قلب المجتمع العربي. هذا التنوع يبرهن على وعي صناع الدراما بتباين أذواق المشاهدين، ومحاولة تلبية احتياجات كل فئة.

المنصات الرقمية… مساحة للابتكار
إحدى أبرز مزايا المنصات الرقمية أنها منحت صناع الدراما حرية أكبر في الطرح والإبداع. فلم يعد عدد الحلقات ثابتًا عند 30 كما هو الحال في رمضان، بل أصبح بالإمكان إنتاج مسلسلات قصيرة من 6 أو 10 حلقات، ما يمنح الإيقاع السردي مرونة وسرعة تناسب طبيعة المشاهدة عبر الإنترنت. كما أن هذه المنصات تتيح تناول موضوعات أكثر جرأة وحداثة، قد يصعب تمريرها عبر التلفزيون التقليدي.

صناعة في طور النضوج
إنتاج 11 مسلسلًا دفعة واحدة في موسم واحد خارج رمضان يعكس نضوج الصناعة الدرامية العربية، وإدراكها أن المنافسة لم تعد محلية فقط، بل باتت عالمية. فالجمهور العربي يتابع اليوم نتفليكس وديزني بلس وأمازون برايم، وهو ما يفرض على المنتجين المحليين رفع مستوى الجودة في الكتابة والإخراج والإنتاج. بعض هذه الأعمال العربية بدأ بالفعل يحجز مكانه في مهرجانات ومسابقات دولية، مما يعزز من حضور الهوية العربية عالميًا.

مكاسب للجمهور والمنتجين
من جهة الجمهور، فإن هذا التوسع في المواسم يمنحه فرصة لمشاهدة أعماله المفضلة دون ازدحام، مع إمكانية متابعة أكثر من عمل في أوقات مختلفة. أما من جهة المنتجين والممثلين، فذلك يعني توزيع الجهود والإنتاج على مدار العام، وتجنب الضغط الكبير الذي كان يفرضه الموسم الرمضاني وحده.

نحو مشهد درامي جديد
المشهد الدرامي العربي اليوم يقف على أعتاب مرحلة جديدة. فمع تزايد الاعتماد على المنصات الرقمية، وارتفاع سقف توقعات الجمهور، باتت الدراما مطالبة بتقديم محتوى يوازي ما يشاهده المشاهد العربي في الإنتاجات العالمية، مع الحفاظ في الوقت نفسه على روحها المحلية. ومن خلال إطلاق 11 عملًا جديدًا دفعة واحدة، يبدو أن صناع الدراما العربية مستعدون لكتابة فصل جديد في مسيرة الفن العربي.

إن موسم "الأوف سيزون" لم يعد مجرد فترة فراغ بين رمضان والرمضان التالي، بل تحول إلى ساحة درامية مستقلة قادرة على جذب الجمهور وتقديم قصص جديدة بأساليب حديثة. ولعل الأعمال المرتقبة ستكون اختبارًا حقيقيًا لقدرة الدراما العربية على التكيّف مع هذا التحول، وتأكيد حضورها في ساحة تتسع عامًا بعد عام.