يعود عالم A Quiet Place مرة أخرى إلى الشاشة الكبيرة، ولكن هذه المرة من زاوية مختلفة كلياً. فبعد أن تعوّدنا على الصمت القاتل في المزارع والغابات، يأخذنا فيلم A Quiet Place: Day One (الوجهة المجهولة: الفصل الرابع) إلى قلب مدينة نيويورك الصاخبة، في اليوم الأول من الغزو الفضائي الذي غيّر وجه البشرية إلى الأبد.
منذ عرضه الأول في منتصف عام 2024، حقق الفيلم نجاحاً كبيراً في شباك التذاكر العالمي، وانهالت عليه المراجعات الإيجابية من النقّاد والجماهير على حدّ سواء، خاصة لما حمله من تجديد في الفكرة وأداء إنساني مؤثّر من بطلة العمل لوبـيتا نيونغو.
القصة: البداية من الصفر
تدور أحداث الفيلم قبل وقائع الجزأين السابقين، وتحديداً في اليوم الأول من الهجوم المفاجئ الذي شنّته المخلوقات الفضائية الحساسة للأصوات.
القصة تتابع “ساميرا” (تجسدها Lupita Nyong’o)، امرأة مريضة تعاني من السرطان وتعيش في دار رعاية خارج نيويورك. وبينما كانت تقضي يوماً عادياً في المدينة، تتحول لحظاتها الأخيرة من الهدوء إلى جحيمٍ مطبق بالصمت والخوف، بعد أن يضرب الغزو الأرض دون إنذار.
ومع رفيقها الصغير، القط "فروودو"، تنطلق ساميرا في رحلة نجاة قاسية عبر شوارع نيويورك المدمّرة، محاولةً النجاة من الكائنات التي تقتل عند سماع أي صوت.
إخراج مختلف... ومدينة لا تعرف الصمت
تولّى الإخراج مايكل سارنوفسكي، الذي قدّم سابقاً فيلم Pig مع نيكولاس كيج، وأضفى هنا طابعاً إنسانياً وشاعرياً على قصة البقاء.
اختار سارنوفسكي الابتعاد عن الأسلوب الريفي الهادئ للأجزاء السابقة، لينقل المشاهد إلى صخب المدينة حين يختفي الصوت فجأة — ناطحات السحاب، السيارات، الحشود، ثم... الصمت التام.
من الناحية التقنية، يبرز الفيلم بتصميم صوتي مذهل يجعل المشاهد يعيش توتراً حقيقياً مع كل حركة أو أنين. الصوت هنا ليس مجرد خلفية، بل هو الشخصية الرئيسية التي تدير الصراع بأكمله.
أداء لوبـيتا نيونغو: صمتٌ ينطق بالمشاعر
تقدّم نيونغو أحد أبرز أدوارها في السنوات الأخيرة. فهي لا تعتمد على الحوار بقدر ما تعبّر بعينيها وصمتها عن الخوف، الألم، والتمسّك بالأمل.
يقول بعض النقّاد إن تجربتها في هذا الفيلم كانت بمثابة تطهير نفسي بعد فقدان صديقها الممثل تشادويك بوزمان، وهو ما ينعكس بوضوح في صدق أدائها وعمقه.
إلى جانبها، يقدّم جوزيف كوين (نجم Stranger Things) دور “إيريك”، الشاب الذي يجد نفسه صدفةً في طريق ساميرا، لتنشأ بينهما علاقة إنسانية وسط الخراب، تجمع بين الخوف، والرحمة، والرغبة في النجاة.
لماذا أحبّه الجمهور؟
- تجديد في المكان والزمان: الفيلم لا يكرّر الصيغة السابقة، بل يقدّم منظوراً جديداً لبداية الكارثة.
- عنصر المفاجأة: فكرة رؤية نيويورك تنهار في لحظة صمت مميت تضيف رهبة خاصة.
- الجانب الإنساني: الفيلم لا يركّز فقط على الرعب، بل على التجربة البشرية في مواجهة النهاية.
- تصميم الصوت والجو البصري: يخلق إحساساً بالخطر المستمر حتى في اللقطات الهادئة.
حقق الفيلم تقييمات تجاوزت 85٪ على موقع Rotten Tomatoes، وافتتاحاً قوياً في شباك التذاكر، مما يؤكد أنه لم يكن مجرد تكرار ناجح، بل تجربة فنية قائمة بذاتها.
بعض الملاحظات النقدية
رغم النجاح الكبير، لم يخلُ العمل من الانتقادات.
يرى بعض النقاد أن الفيلم لم يقدّم تفسيراً كافياً لأصل الكائنات أو سبب الغزو، مكتفياً بالتركيز على الجانب الإنساني. كما أشار آخرون إلى أن بعض الشخصيات الجانبية لم تحظَ بتطوير كافٍ.
لكن في المقابل، فإن الواقعية العاطفية والجرأة البصرية جعلت هذه الملاحظات هامشية أمام قوة التجربة الكلية.
يُعدّ A Quiet Place: Day One تجربة مختلفة في عالم الرعب الحديث — فيلم يوازن بين الخوف والبقاء والإنسانية واليأس.
هو ليس مجرد فصل جديد من سلسلة ناجحة، بل تذكير صامت بأن الصمت أحياناً أبلغ من الصراخ.
افلام
مسلسلات
المدونة