وسط عالمٍ يتسابق على العناوين السريعة، يطلّ المخرج الفلسطيني رشيد مشراوي بفيلمه الجديد From Ground Zero، ليمنح غزة مساحة سردية مختلفة، لا تختصرها الأخبار ولا تحدّها السياسة. العمل هو أنثولوجيا سينمائية تتألف من مجموعة أفلام قصيرة، تتنوّع بين الوثائقي والدرامي والرسوم المتحركة، لتقدّم لوحة متكاملة عن تفاصيل الحياة اليومية تحت الحصار.

فكرة تولد من قلب المعاناة
الفيلم لا يقدّم رواية واحدة، بل يفتح الباب أمام أصوات متعددة تعكس صورة غزة من زوايا شتّى. مشراوي، المعروف بقدرته على المزج بين البعد الفني والهمّ السياسي، أراد هذه المرة أن يبتعد عن الخطاب المباشر ليمنح المشاهد فسيفساء من القصص، كل واحدة منها تحمل تجربة خاصة لكنها جميعًا تلتقي عند سؤال مشترك: كيف يمكن للإنسان أن يتمسّك بالحياة وسط الدمار؟

لغات بصرية متعدّدة
يمتاز From Ground Zero بتجريب جريء في الأسلوب:
  • المشاهد الوثائقية تضع الجمهور في مواجهة الواقع كما هو، دون رتوش.
  • المقاطع الدرامية تمنح مساحة لتجسيد المشاعر الداخلية وما لا تلتقطه الكاميرا.
  • الرسوم المتحركة تضيف بعدًا رمزيًا يترجم الألم والخيال والأمل معًا.
هذا التنوّع لا يُثري البناء البصري فحسب، بل يعكس أيضًا تعددية التجربة الفلسطينية نفسها، حيث لا يمكن اختزالها في قالب واحد.

بين الفن والاحتجاج
رغم أن الفيلم يُقدَّم كعمل فني، إلا أن طابعه احتجاجي بامتياز. إنه ليس بيانًا سياسيًا، بل دعوة إنسانية للتأمل. من خلال القصص الصغيرة، يكشف الفيلم وجوهًا قلّما يراها العالم، ويحوّل الصمت الفلسطيني إلى لغة بصرية تصل إلى جمهور دولي اعتاد أن يرى غزة في نشرات الأخبار فقط.

صدى نقدي وحضور عالمي
منذ عرضه الأول، جذب From Ground Zero اهتمام النقاد، واعتُبر من أبرز الأعمال الفلسطينية في السنوات الأخيرة. مشاركته في مهرجانات دولية كبرى فتحت له نافذة نحو جمهور أوسع، حيث تفاعل المشاهد الغربي مع العمل بوصفه تجربة فنية وإنسانية تخرج من حدود الصراع السياسي.

لماذا هو مهم؟
أهمية الفيلم تكمن في كونه ذاكرة جماعية بقدر ما هو عمل سينمائي. إنه لا يقدّم صورة نهائية، بل يترك المجال لتعدد الحكايات، ما يجعله أقرب إلى الواقع الفلسطيني بكل تعقيداته. إنه تذكير بأن السينما يمكن أن تكون فعل مقاومة بحد ذاتها، تحفظ الذاكرة وتبقي الصوت الفلسطيني حاضرًا في المخيلة العالمية.

بـ From Ground Zero، ينجح رشيد مشراوي في صياغة عمل يمزج الفن بالرسالة، والجماليات بالوجع الإنساني. فيلمه شهادة بصرية حيّة على أن السينما ليست مجرد تسلية، بل أداة مقاومة ونافذة مفتوحة من غزة إلى العالم.