في زمن تتسابق فيه السينما العالمية على تقديم قصص ضخمة وأحداث استعراضية مليئة بالإثارة والمؤثرات البصرية، يطلّ فيلم هندي بعنوان Sharmajee Ki Beti (ابنة شرماجي) ليعيد البوصلة إلى أبسط عناصر الحكاية الإنسانية: الحياة اليومية بما تحمله من صراعات صغيرة وأحلام كبيرة. هذا العمل الذي أخرجته الكاتبة والمخرجة طاهرة كاشياب ليس مجرد فيلم درامي خفيف الظل، بل هو مرآة تعكس ملامح شريحة واسعة من المجتمع الهندي، ونافذة تسمح للعالم برؤية صورة أخرى مغايرة عما اعتاده في بوليوود.

 البدايات والرهان الإبداعي
تُعرف طاهرة كاشياب بكتابتها الأدبية وبحسّها الاجتماعي الحاد، وقد قررت أن تخوض تجربتها الإخراجية الأولى عبر عمل يقترب من روحها وواقعها. لم تلجأ إلى الأكشن أو الميلودراما المبالغ فيها، بل آثرت أن تبني قصتها على تفاصيل عادية قد يراها البعض بسيطة، لكنها بالنسبة إليها تحمل أبعاداً عميقة.

الفيلم يتناول حكايات خمس نساء من أعمار وتجارب مختلفة، يربط بينهن جميعاً اسم العائلة "شرما". من خلال هذه الشخصيات، تنسج المخرجة شبكة من الحكايات المتقاطعة التي تجمع بين الضحك والدموع، بين الأمل واليأس، وبين الواقع الذي يفرض قيوده والطموحات التي لا تتوقف.

النساء في قلب القصة

تمنح طاهرة مساحة واسعة لشخصيات نسائية متعددة الأبعاد:

  • الأم التي تحاول أن توازن بين مسؤولياتها المنزلية وأحلامها الشخصية.
  • الزوجة العاملة التي تواجه تحديات في الحفاظ على استقلاليتها في مجتمع لا يرحم.
  • المراهقة التي تكافح لاكتشاف ذاتها وسط ضغوط أسرية ومجتمعية.
  • المرأة الناضجة التي تراجع مسار حياتها وتبحث عن معنى جديد.

من خلال هؤلاء النسوة، يفتح الفيلم باب النقاش حول قضايا المرأة في الطبقة الوسطى الهندية، وهي طبقة تشبه في همومها وتطلعاتها شرائح واسعة من النساء في العالم العربي والعالمي.

 أداء تمثيلي يلامس الواقع
أبطال الفيلم هم ممثلات ذوات خبرة وموهبة: ساكشي تانور، ديفيا دوتا، وسايامي كير، اللواتي جسدن أدواراً مليئة بالعفوية والصدق. كل شخصية تحمل ملامح مختلفة، لكن المشاهد يجد نفسه قريباً منها لأنها ببساطة تعكس مواقف يمر بها هو أو من حوله في حياته اليومية. الأداء جاء بعيداً عن المبالغة، مما جعل الفيلم أقرب إلى "شريحة من الحياة" أكثر من كونه دراما متخيّلة.

 بين الكوميديا والدراما
ما يميز Sharmajee Ki Beti هو المزج الذكي بين الكوميديا والدراما. فبينما تسرد الأحداث مواقف جادة، نجد لمسات كوميدية خفيفة تزيل ثقل الموضوع وتجعله أقرب إلى القلب. هذه الصياغة تمنح الفيلم روحاً مرنة تجعله ممتعاً ومؤثراً في آن واحد، وتؤكد أن الطابع الإنساني يمكن أن يكون أقوى من أي حبكة معقدة.

 الاعتراف الدولي
لم يقتصر نجاح الفيلم على جمهوره المحلي في الهند، بل تجاوز ذلك إلى اعتراف عالمي واسع. ففي جوائز Content Asia لعام 2025، فاز الفيلم بجائزة أفضل فيلم آسيوي طويل (الحزام الذهبي)، متقدماً على أعمال من بلدان آسيوية أخرى. هذا الفوز لم يكن إنجازاً لطاهرة وحدها، بل للسينما الهندية التي أثبتت قدرتها على تقديم أعمال إنسانية عالمية دون الاعتماد على البريق التجاري وحده.

إضافة إلى ذلك، حصد الفيلم ثلاث جوائز فضية في مهرجان Exchange4Media Awards، من بينها جائزة أفضل فيلم، وأفضل سيناريو لطاهرة كاشياب، وأفضل ممثلة لـ ديفيا دوتا. هذه الجوائز أكدت أن الفيلم لم ينجح فقط من الناحية الفنية، بل لامس وجدان النقاد والجمهور على حد سواء.

 وصول إلى العالمية
تم عرض الفيلم لأول مرة عبر منصة Prime Video في يونيو 2024، ليصل إلى أكثر من 200 دولة في وقت واحد. هذه الخطوة سمحت للجمهور العالمي باكتشاف قصص "شَرمجي" النسائية، وربما كان هذا التوزيع الواسع سبباً رئيسياً في جعله يحظى بمكانة مرموقة في الجوائز العالمية.

 صوت المخرجة
في تصريحاتها بعد الفوز، أكدت طاهرة أن الفيلم بالنسبة إليها كان رحلة شخصية عميقة. فهي رأت في قصص النساء العاديات مرآة لحياتها وتجاربها، وأرادت أن تقدم عملاً يُشعر كل امرأة بأنها مرئية ومسموعة. وأضافت أن الجائزة لم تكن مجرد اعتراف بمجهودها الفني، بل تأكيد على أن الحكايات الصادقة تملك القدرة على تجاوز الحدود الجغرافية واللغوية.

 أهمية الفيلم

يكتسب Sharmajee Ki Beti أهميته من عدة جوانب:

  • أنه عمل نسوي بامتياز، يضع المرأة في المركز دون شعارات مباشرة أو خطابية.
  • أنه يبرهن على أن السينما الإنسانية، مهما بدت بسيطة، قادرة على المنافسة عالمياً.
  • أنه يضيف إلى سجل السينما الهندية وجهاً جديداً بعيداً عن الألوان الصاخبة والرقصات، ليُظهر جانباً أكثر واقعية وعمقاً.

 الخاتمة
إن فيلم شَرمجي كي بيتي ليس مجرد قصة عن خمس نساء يتشاركن الاسم نفسه، بل هو لوحة اجتماعية واسعة ترسم معالم الحلم والهزيمة، الحب والخوف، والجرأة على مواجهة التقاليد. نجاحه في الجوائز العالمية يثبت أن السينما التي تحكي قصص الناس البسطاء يمكن أن تصل إلى أبعد مدى، وأن الصدق في الفن يبقى أقوى من أي بهرجة بصرية.

بهذا الإنجاز، تؤكد طاهرة كاشياب أن السينما النسائية الهندية قادرة على أن تكون صوتاً للعالم، وأن المرأة، مهما كانت محاصرة بقيود المجتمع، تستطيع أن تخلق فناً يخلّدها ويمنحها الخلود في ذاكرة المشاهدين.