في أجواء سينمائية تتسم بالجرأة والبحث في أعماق القضايا الشائكة، قدّم المخرج الهندي بيكاس رانجان ميشرا فيلمه الجديد Bayaan، الذي عُرض لأول مرة ضمن قسم Discovery في مهرجان تورونتو السينمائي الدولي لعام 2025. اختيار العمل في هذا القسم لم يكن مصادفة، فهو يهدف دائماً إلى تسليط الضوء على الأصوات الجديدة والتجارب السينمائية الجريئة، وهو ما ينطبق تماماً على هذا الفيلم.
قصة تخرج من الصمت
تدور أحداث Bayaan في بلدة نائية في راجستان، حيث تتشابك الأعراف الاجتماعية مع السلطة الدينية لتفرض جداراً من الصمت والخوف. وسط هذه الأجواء، تصل المحققة روهي كارتار، التي تؤدي دورها الممثلة هما قريشي، لتقود أول قضية كبيرة في مسيرتها المهنية.
القضية تبدأ برسالة مجهولة تتهم قائداً روحياً نافذاً في الطائفة المحلية بارتكاب اعتداء جنسي. من هنا، تنطلق رحلة التحقيق وسط مقاومة صامتة من المجتمع، وضغوط من السلطة الدينية، وتردّد من الشهود الذين يخشون مواجهة نفوذ الطائفة.
القصة لا تُقدَّم كتحقيق جنائي تقليدي فقط، بل كصراع أخلاقي ونفسي يعكس أسئلة أوسع: هل يمكن للعدالة أن تنتصر في وجه الصمت؟ وهل يستطيع الفرد أن يواجه سلطة جماعية متجذّرة؟
الشخصيات والأداء
الفيلم يعتمد على قوة التمثيل بقدر ما يعتمد على موضوعه:
- هما قريشي تجسّد شخصية المحققة بعمق واضح، فهي ليست بطلة خارقة، بل امرأة تحمل شكوكها ومخاوفها لكنها تصر على المضي قدماً.
- تشاندراشور سينغ يؤدي دور الزعيم الروحي المتهم، بشخصية تجمع بين الكاريزما والسلطة الغامضة.
- كما يشارك ساتشين خيديكر وعدد من الممثلين الذين يضيفون طبقات من المصداقية إلى بيئة التحقيق.
الأداء عموماً يميل إلى الواقعية بعيداً عن المبالغات المعتادة في السينما التجارية، وهو ما ينسجم مع الطابع الجاد للفيلم.
رؤية المخرج والأسلوب الفني
بيكاس رانجان ميشرا اختار أن يصوّر الفيلم بأسلوب بصري شديد القسوة والصدق: ألوان باهتة، زوايا ضيقة، وإيقاع متدرّج يجعل المشاهد يعيش حالة التوتر التي تعيشها البطلة. الموسيقى التصويرية لـ أجاي جايناثي جاءت مكمّلة للتوتر الداخلي، بينما أضفى المونتاج لـ سريكّار براساد إيقاعاً محكماً يحافظ على تركيز القصة.
من ناحية الإنتاج، استفاد الفيلم من دعم مؤسسات سينمائية دولية مثل Hubert Bals Fund بمهرجان روتردام، وبرنامج Global Media Makers في لوس أنجلوس، ما أتاح له التمويل والموارد اللازمة ليخرج في صورة عالمية تليق بمهرجانات كبرى.
حضور عالمي وصدى واسع
كونه الفيلم الهندي الوحيد في فئة Discovery لهذا العام، فقد حظي Bayaan باهتمام كبير من النقاد والجمهور على حد سواء. كثيرون أشادوا بجرأته في طرح موضوع حساس يتقاطع فيه الدين والسلطة والجنس، وهي قضايا قلما يتم التطرق إليها بعمق في السينما التجارية.
الممثلة هما قريشي عبّرت عن فخرها بالمشاركة في هذا المشروع، مؤكدة أن الفيلم يعكس قضايا حقيقية يعيشها المجتمع اليوم، وأن تقديم شخصية امرأة تواجه كل هذه الضغوط كان تحدياً شخصياً ومهنياً في الوقت نفسه. أما المخرج ميشرا، فاعتبر أن الفيلم شهادة على زمن معقّد، حيث يُفرض الصمت كخيار وحيد، لكنه ينهار عندما يقرر شخص واحد أن يتكلم.
أهمية الفيلم
ما يجعل Bayaan فيلماً لافتاً ليس فقط موضوعه الجريء، بل الطريقة التي يطرح بها أسئلة تتجاوز حدود الهند:
- كيف يمكن للمجتمع أن يوازن بين الإيمان والعدالة؟
- هل يملك الفرد الشجاعة ليكسر جدار الصمت؟
- وما الذي يحدث عندما تتصادم السلطة الروحية مع سلطة القانون؟
الفيلم يقدم صورة عن السينما الهندية المعاصرة التي تبحث عن قضايا أعمق من مجرد الترفيه، ويثبت أن الأفلام المستقلة قادرة على المنافسة عالمياً إذا ما حملت رؤية صادقة وقوية.
Bayaan ليس مجرد فيلم بوليسي عن جريمة غامضة، بل هو عمل إنساني وفكري يحفر في قضايا المسكوت عنه. إنه دعوة للتفكير في معنى العدالة، في قدرة المرأة على التحدي، وفي ثمن الصمت عندما يتحوّل إلى تواطؤ.
عرضه في مهرجان تورونتو لم يكن مجرد محطة فنية، بل إعلاناً عن صوت جديد في السينما الهندية، قادر على أن يضع قضايا محلية تحت مجهر عالمي.
افلام
مسلسلات
المدونة