يعود مسلسل "The Last of Us" في موسمه الثاني ليكمل واحدة من أكثر الحكايات تأثيرًا في عالم الدراما الحديثة، مقدّمًا مزيجًا نادرًا من القسوة والعاطفة، ومن الدمار والجمال الإنساني.
بدأ عرض الموسم الجديد في أبريل 2025 عبر شبكة HBO، مؤكدًا استمرار النجاح الذي حققه الجزء الأول، لكن هذه المرة بخط درامي أكثر ظلمة ونضجًا، يعالج فكرة ما بعد النجاة أكثر من فكرة النجاة نفسها.

القصة والتحول الزمني
تبدأ أحداث الموسم بعد مرور خمس سنوات على نهاية الموسم الأول، حيث نرى جويل وإيلي وقد تمكّنا من بناء حياة شبه مستقرة في بلدة صغيرة بولاية وايومنغ.
لكن هذا السلام الهشّ سرعان ما يتلاشى حين تعود أشباح الماضي لتلاحقهما، وتفتح أمام إيلي باب الأسئلة التي أخفاها عنها جويل لسنوات.
تبدأ رحلة جديدة، مليئة بالتناقضات، تجمع بين الرغبة في الانتقام والبحث عن الحقيقة، وتنتقل بنا إلى مدينة سياتل التي تتحول إلى ساحة صراع قاسٍ بين جماعاتٍ متناحرة وأرواحٍ منهكة.

شخصيات جديدة وأجواء أكثر عمقًا
يُقدّم الموسم الثاني شخصيات جديدة تضيف ثِقَلًا دراميًا ملحوظًا، أبرزها شخصية آبي التي تؤديها كاتلين ديفر، وشخصية دينا التي تلعبها إيزابيلا ميرسد.
تتوسع القصة لتُظهر أن العالم لا ينقسم ببساطة إلى "أشرار" و"أبطال"، بل إلى بشرٍ يحاولون النجاة بطرق مختلفة، حتى وإن كان ذلك على حساب غيرهم.
يتميّز هذا الموسم بأجوائه الكئيبة والإنسانية في الوقت نفسه، إذ يسلّط الضوء على هشاشة النفس البشرية عندما تُجبر على مواجهة قراراتٍ مستحيلة.

جودة الإخراج والأداء
مرة أخرى، يثبت بيدرو باسكال وبيلا رامزي قدرتهما على تقديم أداء متكامل يجمع بين الصمت المؤلم والانفجار العاطفي.
كما تميز الإخراج بتفاصيله البصرية المدهشة التي تجمع بين خراب المدن وجمال الطبيعة التي استعادت الأرض، لتجعل المشاهد يعيش التناقض بين الموت والحياة في كل مشهد.
وما تزال الموسيقى التصويرية — بتوقيع غوستافو سانتاولالا — أحد أعمدة قوة العمل، إذ تعبّر بصمتها عن مشاعر لا يستطيع الحوار أن يصفها.

الاستقبال النقدي
نال الموسم الثاني إشادة كبيرة من النقّاد، وحقق تقييمات مرتفعة تجاوزت 90% على مواقع التقييم العالمية.
وقد أشاد كثيرون بجرأة السرد، وعمق الشخصيات، وواقعية الحوارات التي تُعيد تعريف مفهوم البطولة في عالمٍ يفتقر للأبطال.
ومع ذلك، رأى البعض أن الإيقاع أبطأ من الموسم الأول، وأن القصة اتخذت مسارًا نفسيًا أكثر من كونه مغامراتيًا، وهو ما اعتبره آخرون تطورًا طبيعيًا وناضجًا في رحلة السلسلة.

يأتي الموسم الثاني من "The Last of Us" كعملٍ يختبر حدود الرحمة في عالمٍ قاسٍ، ويطرح سؤالًا صعبًا:
هل نستحق النجاة إن فقدنا إنسانيتنا في طريقنا إليها؟

إنه ليس موسمًا عن الفطر القاتل أو عن الوحوش، بل عن الندم، والخسارة، والخوف من التمسك بالأمل.
ففي هذا العالم الممزق، النجاة ليست انتصارًا… بل عبءٌ يحمله من لا يزال قلبه ينبض.

"أحيانًا لا يكون الخطر فيما نواجهه، بل فيما نحمله بداخلنا."