بعد سبع سنوات من آخر أفلام السلسلة الشهيرة، تعود حكاية كوكب القردة بنَفَس جديد عبر فيلم «مملكة كوكب القردة»، الذي أخرجه ويس بول (Wes Ball) ليُكمل المسار الأسطوري الذي بدأه الفيلم الأول عام 2011. هذه المرة، لا يعود الفيلم ليروي قصة سيزر مباشرة، بل لينطلق من عالمٍ تغيّر جذريًّا بعد رحيله، حيث أصبحت القردة السلالة السائدة على الأرض، بينما تراجع البشر إلى هوامش الوجود.
عالم ما بعد سيزر
تدور الأحداث بعد قرونٍ من نهاية عهد القائد الأسطوري سيزر، حين انقسمت القردة إلى قبائل متعددة تختلف في أساليب حياتها ومعتقداتها. وبينما ظلت بعض المجموعات متمسّكة بتعاليم سيزر القائمة على التعاون والرحمة، انجرفت أخرى نحو البحث عن السلطة والهيمنة، معتقدة أنّ إرث سيزر يمنحها حقّ السيطرة المطلقة.
في هذا العالم، يظهر بطل القصة نوا (Noa)، وهو قرد شاب من قبيلة تعيش على الصيد وتربية الصقور. يعيش نوا حياة هادئة، حتى تقع كارثة تغيّر مصيره وتدفعه في رحلة مليئة بالاكتشاف والخطر، بحثًا عن المعنى الحقيقي لتعاليم سيزر وعن مستقبل قبيلته، بل ومستقبل عالم القردة بأسره.
صراع القيم والسلطة
يواجه نوا خصمه الأكبر بروكسيموس سيزر (Proximus Caesar)، زعيم قبيلة تسعى لإعادة إحياء تكنولوجيا البشر القديمة طمعًا في القوة والسيطرة. هذا الصراع لا يدور فقط على مستوى القوة المادية، بل على مستوى الفكرة والمبدأ:
هل التقدّم يعني الهيمنة؟ أم أن بقاء القيم أهم من استعادة مجدٍ ضائع؟
يرافق نوا في رحلته القرد الحكيم راكا (Raka)، الذي يمثل صوت الحكمة القديمة وذاكرة سيزر الحقيقية. ومن خلال هذا الثنائي، يقدّم الفيلم حوارًا عميقًا بين الأجيال: جيلٍ يحنّ إلى ماضٍ مثالي، وآخر يحاول أن يجد لنفسه طريقًا في عالم جديد تتلاشى فيه الحدود بين الصواب والخطأ.
حضور البشر في الظل
على خلاف الأجزاء السابقة، لا يحتل البشر موقع العدو المباشر. يظهرون هنا كأطيافٍ من الماضي، بقايا حضارة منسية، لا تزال آثارها تثير الخوف والطمع في نفوس القردة. وجودهم يرمز إلى ما قد يحدث لأي حضارة حين تفقد توازنها بين العقل والقيم، وهي إشارة ذكية تربط مصير القردة بمصير الإنسانية ذاتها.
رؤية فنية مبهرة
من الناحية التقنية، يُعدّ الفيلم من أكثر الأعمال إتقانًا على صعيد المؤثرات البصرية. تجسيد القردة واقعي إلى حد مذهل، وحركاتهم وتعابير وجوههم تنقل مشاعر إنسانية عميقة، تجعل المشاهد ينسى أنه يتابع شخصيات رقمية. كما أن تصميم العالم – من الغابات الموحشة إلى المدن المتداعية التي ابتلعتها الطبيعة – يخلق جوًّا بصريًا غنيًا بالرموز والدلالات.
مضامين فلسفية
يطرح الفيلم مجموعة من الأسئلة الفلسفية الكبرى:
- ما الذي يجعل كائنًا ما "أكثر تطورًا" من الآخر؟
- هل يحقّ لأيّ مخلوق أن يفرض سلطته لمجرد أنه الأقوى؟
- وهل يُمكن أن تُبنى الحضارة من جديد دون أن تُكرّر أخطاء ماضيها؟
من خلال هذه التساؤلات، يقدّم الفيلم قراءة إنسانية عميقة حول مفهوم التقدّم والهوية والعدالة، ويذكّرنا بأنّ الحضارة لا تُقاس بما نملكه من أدوات، بل بما نحمله من قيم.
التقييم العام
نال «مملكة كوكب القردة» استحسان النقاد على مستوى المؤثرات والإخراج وبناء العالم، بينما انقسمت الآراء حول إيقاع القصة الذي بدا أكثر هدوءًا وتأملًا من الأجزاء السابقة. ومع ذلك، فإنّ قوة الفيلم تكمن في عمقه الإنساني أكثر من حركته، وفي الأسئلة التي يتركها عالقة في ذهن المشاهد بعد انتهائه.
ليس هذا الفيلم مجرّد استمرار لسلسلة خيال علمي شهيرة، بل هو تأمل في طبيعة الحضارة نفسها، وفي مصير الكائنات حين تنسى جذورها. في عالمٍ تهيمن عليه القردة وتغيب فيه الإنسانية، يُعيدنا الفيلم إلى السؤال القديم الجديد:
من هو الكائن الحقيقي الذي يستحق قيادة هذا الكوكب؟
«مملكة كوكب القردة» عمل سينمائي متقن يجمع بين المتعة البصرية والتفكير الفلسفي، وينجح في أن يكون خطوة جديدة في رحلة طويلة ما زالت تدهشنا منذ أكثر من نصف قرن.
افلام
مسلسلات
المدونة