في عام 2025، قدّمت منصة Netflix وثائقيًا جريئًا بعنوان Babo – Die Haftbefehl Story، يروي قصة أحد أبرز وجوه الراب الألماني، الفنان هافتبفيل (الاسم الحقيقي: أيكوت أنهان).
الفيلم لا يُقدّم مجرّد سيرة فنية، بل رحلة إنسانية عميقة عن الصعود من قاع الحياة إلى قمّة الشهرة، مرورًا بمحطات مؤلمة من الفقر، الإدمان، والبحث عن الذات وسط عالمٍ قاسٍ وصاخب.

القصة
يأخذنا الوثائقي إلى مدينة أوفِنباخ، حيث نشأ هافتبفيل في بيئة مليئة بالتحديات الاجتماعية والاقتصادية. في طفولته، فقد والده في سنٍّ مبكرة، وعاش حياةً مليئة بالتخبّط بين المدارس والشارع، إلى أن وجد في موسيقى الراب وسيلة للتنفيس والتعبير عن الغضب والخيبة.
تتتبع الكاميرا تحوّله من شابٍ ضائع إلى نجمٍ يملأ المسارح، وتكشف كيف أصبحت أغنيته الشهيرة “Chabos wissen, wer der Babo ist” رمزًا لجيلٍ كامل من الشباب الألماني ذوي الأصول المهاجرة.
لكن الفيلم لا يكتفي بإبراز نجاحه، بل يغوص في الجانب المظلم من رحلته — الصراعات النفسية، الإدمان، وانهيارات الشهرة — ليُظهر الإنسان خلف الأسطورة.

الأسلوب والإخراج
أخرج العمل خوان مورينو وسينان سيفينتش بأسلوب واقعي شديد القرب من الشخصية. الكاميرا لا تُجمل ولا تُخفي شيئًا؛ بل ترافق هافتبفيل في تفاصيل حياته اليومية، في بيته، مع عائلته، وفي لحظات ضعفه وقوّته.
يُدمج الوثائقي بين مقاطع أرشيفية قديمة ومقابلات حديثة مع أفراد أسرته وأصدقائه وفنانين من الساحة الموسيقية الألمانية، لتقديم صورة متكاملة عن الرجل الذي غيّر وجه الراب في ألمانيا.

ما الذي يميّزه؟
الفيلم ينجح في تجاوز القالب المعتاد للوثائقيات الموسيقية. فهو لا يحتفي بالفنان فقط، بل يُعرّي الثمن الإنساني للشهرة والضوء.
من خلال قصّة هافتبفيل، يُسلّط العمل الضوء على جيلٍ كامل من أبناء المهاجرين الذين استخدموا الفنّ كأداة للبقاء، وكجسر بين ثقافتين.
كذلك يقدّم الفيلم تجربة صادقة تُشعرك بأنك لا تشاهد نجمًا يتحدث عن نفسه، بل إنسانًا يواجه تاريخه دون تبرير أو خوف.

الرسائل والرمزية
يحمل Babo – Die Haftbefehl Story رسالة واضحة: خلف كل نجاح قصة وجعٍ طويل، وخلف كل أغنية جرحٌ لم يُشفَ بعد.
العنوان “بابو” — وهي كلمة تُستخدم في لغة الشارع بمعنى “الزعيم” أو “القائد” — يُصبح رمزًا مزدوجًا في الفيلم: فهو يعبّر عن القوة، لكنه يذكّر أيضًا بالمسؤولية التي تأتي مع المجد.
في النهاية، يطرح الوثائقي سؤالًا وجوديًا: هل يستطيع الفنان أن يظلّ صادقًا مع نفسه وسط عالمٍ تلتهمه الشهرة والأضواء؟

يُعدّ Babo – Die Haftbefehl Story من أصدق الأعمال التي قدّمتها نتفليكس في السنوات الأخيرة، لأنه لا يروي الحكاية من بعيد، بل يعيشها من الداخل.
إنه فيلم عن الإنسان قبل الفنان، عن الألم الذي يتحوّل إلى فن، وعن الموسيقى التي تُنقذ صاحبها بقدر ما تستهلكه.
في النهاية، تخرج من الفيلم وأنت تفهم أن “بابو” لم يكن لقبًا استعراضيًا، بل هو خلاصة حياة مليئة بالمعاناة والإصرار والنجاة.