في الدورة السادسة والسبعين من مهرجان كان السينمائي سنة 2023، كان الجمهور على موعد مع العرض الأول للفيلم الوثائقي المغربي-المصري The Mother of All Lies للمخرجة أسماء المودير. وقد اختير العمل ليُعرض ضمن قسم Un Certain Regard، الذي يسلط الضوء على التجارب السينمائية المبتكرة والقصص ذات الزوايا غير المألوفة.

حكاية عن الذاكرة والهوية
ينطلق الفيلم من تجربة شخصية، حيث تستحضر المخرجة ذكريات عائلتها وطفولتها لتفتح نقاشًا أوسع عن التاريخ الجمعي. من خلال هذا الربط بين الذاتي والوطني، يكشف العمل كيف أن الهوية الفردية لا تتشكل بمعزل عن الروايات الكبرى للأوطان، بل تتأثر بها وتتداخل معها. ويؤكد الفيلم أن الحقيقة ليست قالبًا واحدًا ثابتًا، بل هي أشبه بمرآة متعددة الوجوه تعكس صورًا مختلفة بحسب الراوي.

لغة بصرية تمزج بين الحقيقة والخيال
توظف أسماء المودير أسلوبًا سينمائيًا يتجاوز القوالب التقليدية للفيلم الوثائقي، إذ تمزج المشاهد الواقعية بالخيالية، وتعيد تركيب الذكريات بطرق فنية تمنح المشاهد إحساسًا بأن الماضي ليس حدثًا منتهيًا، بل سردًا مفتوحًا على التأويل. هذا التداخل بين الوثيقة والتخيل يجعل الفيلم أقرب إلى رحلة ذاتية فلسفية في البحث عن المعنى.

صدى عالمي رغم الجذور المحلية
ورغم أن الفيلم ينطلق من سياق مغربي-مصري محدد، فإن أسئلته تحمل بعدًا عالميًا. فهو يناقش كيف تتعامل المجتمعات مع ذاكرتها، وكيف تؤثر الأحداث السياسية الكبرى في تفاصيل الحياة اليومية للأفراد. هذه المقاربة منحت الفيلم حضورًا لافتًا في مهرجان كان، حيث أثنى النقاد على جرأة الطرح وفرادة الأسلوب.
The Mother of All Lies ليس مجرد فيلم وثائقي، بل تجربة سينمائية تتقاطع فيها الذاكرة مع الخيال، والذاتي مع الجماعي. ومن خلال هذه المقاربة، تمكنت أسماء المودير من أن تضع السينما الوثائقية العربية في دائرة الاهتمام العالمي، مؤكدة أن الحكايات الشخصية حين تُروى بصدق يمكن أن تُصبح مرآة لقضايا إنسانية أوسع.